- قصة
إسلام ثاني أكبر قسيس في غانا
أخذوه طفلا فقيرا معدما يلبس الرث من الثياب ، وبالكاد يجد لقمة يومه ، ربوه
في ملاجئهم ، درسوه في مدارسهم ، ما إن لحظوا منه نباهة حتى جعلوه من أولويات
اهتماماتهم ، كان يتميز بذكاء حاد ونظرة ثاقبة في سن مبكرة من حياته ، سرعان
ما شق طريقه في التعليم ، حتى نال أكبر الشهادات بالطبع كان ذلك مقابل دينه
الذي يعرف انتماءه له ، لكنه تلفت يمنة ً ويسرة ًفي وقت العوز والحاجة ، فما
وجد أحدا إلا المنفرين - أعني المنصرين أو من يسمون أنفسهم بالمبشرين – أصبح
قسيسا لامعا في بلده .
وذات يوم إذ أراد الله هدايته ، وأخذ يتساءل .. أنا لم أترك ديني لقناعة في
الديانة النصرانية ، وإنما الجوع هو الذي قادني ، والحاجة هي التي دفعتني ،
والعوز هو الذي ساقني ، وعلى الرغم من رغد العيش الذي أنا فيه ، والرفاهية
التي أتمتع بها إلا أنني لم أجد الانشراح ولم أشعر وأنعم بالراحة والسعادة
والطمأنينة إذ ما فتئت أقلق من المصير بعد الموت ، ولم أرس على بر أمان أو
قاعدة صلبة تريح الضمير حول ما في الآخرة من مصير .
لماذا لا أتعرف على الإسلام أكثر؟ لماذا
لا أقرأ القرآن مباشرة ، بدلا من الاكتفاء بمعلوماتي عن الاسلام من المصادر
النصرانية التي ربما لم تعرض الاسلام بصورته الحقيقة .
وهنا شرع يقرأ القرآن ويتأمل ويقارن ، فوجد فيه الإنشراح والإطمئنان ،
وانفرجت أساريره وعرف طريق الحق وسبيل النور ( قد جاءكم من الله نور وكتاب
مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور
بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) .
هنا اتخذ قراره الحاسم وعزم على التصدي لكل عقبة تحول دون إسلامه ، تـُرى
ماذا فعل؟
لقد عمل بالمثل القائل الباب الذي يأتيك منه الريح افتحه وقف في وجهه..!!
فذهب إلى الكنيسة وقابل الرجل الأول فيها القسيس الأوروبي الكبير عندهم ،
وأخبره بقراره ، فظن أنه يمزح أو أنه هكذا أراد أن يقنع نفسه لكنه أكّد له
أنه جاد في رغبته هذه ، فجن جنون الرجل وأخذ يزبد ويرعد ويهدد . . .
ثم لما هدأ ، أخذ يذكره بما كان عليه وما صار إليه ، وما فيه الآن من نعمة
ويسر ، وحاول إغراءه بالمال وأنه سيزيد راتبه ويعطيه منحة حالا ويزيد من
المنحة السنوية ، ويزيد من صلاحياته ، و. . . و ... و.. لكن دون جدوى فجذوة
الإيمان قد تغلغلت في شغاف القلب واستقرت في سويداء الضمير ، كذلك بشاشة
الإيمان إذا خالطت القلب استقرت كما قال قيصر الروم لأبي سفيان فيما رواه
البخاري رحمه الله.
هنا قال له : إذن تـُرجع لنا كل ما أعطيناك وتتجرد من كل ما تملك ، قال أما
ما فات فليس لي سبيل إرجاعه ، وأما ما لدي الآن فخذوه كله ، وكان تحت يديه
أربع سيارات لخدمته ، وفيلا كبيرة وغيرها ، فوقع تنازلا عن كل ما يملك ، وهو
في هذا يعيد لنا أمجاد أبا يحيى صهيب الرومي رضي الله عنه الذي قال له الرسول
الكريم صلوات الله وسلامه عليه : ربح البيع أبا يحيى ، وذلك عندما استوقفه
مشركو قريش في طريق هجرته وقالوا له جئتنا معدما فقيرا ثم استغنيت فوالله لا
ندعك حتى تخرج من مالك فاشترى نفسه منهم بأن دلهم على ماله على أن يدعوه ( إن
الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) .
اغتاظ القسيس الكبير وجرده حتى من ملابسه وطرده من الكنيسة شر طردة ، وظن أنه
سيكابد الفقر يومين ثم يعود مستسمحا ، كيف لا يظن ذلك وهم المادّيّون حتى
الثمالة.
خرج أخونا من الكنيسة قال : وأنا لا ألبس سوى ما يستر عورتي ولا أملك سوى هذا
الدين العظيم الإسلام ، وشعرت حينئذٍ أنني أسعد مخلوق على هذه البسيطة . . .
سار ماشيا باتجاه المسجد الكبير وسط البلد وفي الطريق أخذ الناس يمشون بجانبه
مستغربين ، ويقول بعضهم : لقد جن القسيس ، وهو لا يرد على أحد حتى وصل المسجد
فلما هم بالدخول حاولوا منعه متسائلين إلى أين؟
وإذا بالجواب الصاعقة : جئت أُعلن إسلامي . عجباً ، القسيس الأشهر في البلاد
، الذي يظهر في شاشة التلفاز مرتين أسبوعيا ، الذي
يمثل النصرانية في البلد ، الذي الذي الذي .. يأتي اليوم ليُعلن إسلامه ..!!
إنها سعادةٌ لا توصف ، وفرحة لا تعبر عنها الكلمات ، ولا تقدر على تصويرها
الجمل والعبارات ، إنه أنسٌ غامر ، وإشراقة منيرة ، وكأنّ بالتاريخ يدوّي
بصيحة اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين ، ومع فارق التشبيه إلا أنه رب إسلام
شخص ٍ واحدٍ يجر خلفه إسلام المئات وإنقاذ العشرات من براثن التيه والضلال
وحمأة الكفر والإنحلال .
المسلمون فرحون ، هذا أعطاه بنطالا وذاك أعطاه قميصا وآخر وهبه الشال ، حتى
دخل المسجد وألقى بالمسلمين المتواجدين خطبة عصماء ، أعلن فيها إسلامه انطلقت
على إثرها صيحات التكبير وارتفعت خلالها أصوات التهليل والتسبيح ، استبشارا
وفرحا بإسلام مَن طالما دعاهم إلى الضلال ، إذا به اليوم يدعوهم إلى الهداية
والإسلام ، وخلال يومين رجع الكثير الكثير ممن تنصروا إلى واحة الإسلام
الوارفة الظلال ، حيث ينعمون في ظله وكنفه بآثار الهداية وطمأنينة سلوك
السبيل القويم وراحة البال والضمير والخير العميم ، ( الذين ءامنوا وتطمئن
قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) .
بعد يومين من إعلانه إسلامه بدأ النصارى الحاقدون يبحثون عنه ليقتلوه وتهددوا
وتوعّدوا فقام المسلمون بتهريبه إلى سيراليون سرا ، حيث أ ُعلِن عبر الإذاعة
التي تملكها لجنة مسلمي أفريقيا الكويتية أنه سيُلقي خطابا للأمة بمناسبة
إسلامه ، وأخذ الجميع يترقّب هذا الخطاب والكنيسة كانت ضمن المترقبين وقد
توقعت أن يقوم بمهاجمتها أشد المهاجمة وإخراج كثير من أسرارها أمام الملأ
والتجني عليها ، هذا ما كانت تتوقعه ، وقد أعدّت قبل خطابه مسودة لبيان سوف
تنشره وكان يرتكز على أنها وجدته معدما فقيرا وقامت بمساعدته وتبنيه وتربيته
وتكفلت بتعليمه حتى بلغ أعلى المستويات العلمية ثم هو يقوم بنكران الجميل
وخيانة الأمانة ورد المعروف بالإساءة ، والتنكر لمن آواه ورعاه .
لكن الله خيّب فألهم وأغلق عليهم الطرق ، حيث قام صاحبنا بإلقاء خطاب خلاف
توقعهم بدأ فيه بشكرهم على كل ما قدّموا له وذكر ما قدّموا له من رعاية ومأوى
وتعليم وغيره بالتفصيل ودان لهم بعد الله بالفضل ، إلا أنه نوّه وأشار بطريقة
لبقة تتسم بالذكاء إلى أن العقيدة وحرية الدين ليست تسير وفق العواطف بطريقة
عمياوية وفضل الله تعالى فوق كل فضل ، ونعمة الله تعالى فوق كل نعمة ، ذلك
بصياغة تجعل كل مَن خَدَمَتهُ الكنيسة يُعِيدُ النظرَ في هذه الخدمة والرعاية
وأنها ليست مقياسا لصحة العقيدة ، وليست العامل المرجّح لاختيار الدين ،
فأصاب الكنيسة في مقتل وأغلق الطريق أمامها لانتقاده والتشنيع عليه ، وأظهر
دين الإسلام بأنه لا يرضى لأتباعه بنكران الجميل ، بل قال أن الدين الإسلامي
يعلم أتباعه الوفاء ، لكنه لا يرضى لهم أبدا بإلغاء عقولهم ( إن في ذلك لآيات
لقوم يعقلون ) .
اسمه عيسى عبد الله بياجو ، عمره أربعون سنة ، بلده الفلبين ، متزوج وله ابن
كان قساً كاثوليكياً ثم اهتدى إلى النور ، وشرح الله صدره للإسلام ، كان ذلك
من أربع عشرة سنة ، وهو الآن قد جاء للعمل بالدوحة .. فسعينا إلى الالتقاء به
.
سألناه عن حياته قبل الإسلام فقال : اسمي الإصلى هو كريسانتو بياجو ، درست في
المعهد اللاهوتي ، وحصلت على درجة الليسانس في اللاهوت وعملت كقس كاثوليكي
سمعت عن المسلمين كمجموعة من الناس ، ولم تكن عندي فكرة عما يدينون به . وفي
ذلك الحين كنت لا أطيق حتى مجرد سماع اسمهم نظراً للدعاية العالمية التي توجه
ضدهم . وحتى المسلمون المنتمون إلى جبهة تحرير مورو في الفلبين كان يُعطى
الإيحاء بأنهم قراصنة وهمجيون ، يسهل عليهم العدوان وسفك الدماء ، هذا الشعور
يشاركني فيه معظم نصارى الفلبين الذين يمثلون 90% من السكان .
جاء يوم حضرت فيه محاضرة ألقاها منصّر أمريكي اسمه بيتر جوينج عن الإسلام ،
فأخذتني الرغبة في التعرف على هذا الدين ، وانطلقت لأقرأ بعض الرسائل عن
أركان الإيمان ، وأركان الإسلام ، وعن قصص الأنبياء ، فدهشت من أن الإسلام
يؤمن بالإنبياء و منهم المسيح عليه السلام .
كانت مشكلتي نقص الكتب التي تتكلم عن الإسلام وعن القرآن ولكني لم أيأس ،
لأنني كنت أستحضر من كلام المبشر الأمريكي قوله : إن التوراة فيها أخطاء ،
مما أدخل الشك في نفسي ، فبدأت أكوّن فكرتي عن الدين الحق الذي أومن به . ولم
أجد الإجابات عن الأسئلة التي جالت آنئذٍ في صدري حول الإنجيل وكلما حللت
مشكلة أو أجبت عن سؤال ، ظهرت مشاكل كثيرة وأسئلة أكثر .
لجأت إلى تفريغ ذهني من كل فكرة مسبقة ، ودعوت الله أن يهديني إلى الحق وكان
من المفارقات العجيبة أنني كقسيس كنت أعلّم الناس ما لا أعتقده ، فمثلاً لم
أكن على الإطلاق مقتنعاً بفكرة الخطيئة الأصلية ، والصّلب ، إذ كيف يحمّل
الله إنساناً ذنوب الآخرين ؟ هذا ظلم ، ولماذا لا يغفرها الله ابتداءً ؟ وكيف